صناعة الطرابيش تحتضر

من طرف **احمد نجم1** السبت نوفمبر 13, 2010 8:12 pm

ناجح عطا الصانع الوحيد للطرابيش بالوجه القبلي
"كان الطربوش قديما رمزاً للأفندية يرتديه أهل العلم والمعرفة وبعد قيام ثورة يوليو إنقرضت صناعته حتى إلى أن الإقبال على التعليم الأزهري فتم أحيائها من جديد ولكن بعد هجر مصانعه واختفاء صانعيه لم يعد للطربوش وجود ولم يبقى سوى ناجح عطا محتكر صناعة الطربوش على مستوى الصعيد يمارس تلك الحرفة التي توارثها من الأجداد ولكن ما الدافع وراء تمسك ابن أسيوط بتلك الحرفة في زمن الجينز والكاب وما مصير تلك المهنة وما واجب المسئولين والمعنيين بالتراث تجاه انقراض الطربوش؟ أسيوط اليوم أجرت الحوار التالي مع ناجح عطا الطرابيشي الوحيد بالصعيد للتعرف عن قرب من صناعة الطرابيش.
• في البداية نود أن نقترب منك لنتعرف على شخصيتك؟
ناجح عطا وأبلغ من العمر ٣٤عاماً من مواليد قرية بني محمد بأبنوب وحاصل على بكالوريوس زراعة وأعمل في صناعة الطرابيش منذ ٢٥عام وأسعى لتوريثها لنجلى كيرلس.
• كيف تعلمت حرفة صناعة الطرابيش؟
تعلمت صناعة الطرابيش على يد عم كامل جرس وهو طرابيشي ذائع الصيت في هذا المجال خاصة أنه لم يكن يوجد أكثر من عشرة مصانع للطرابيش في أسيوط بأكملها في هذا الوقت وبدأت في تعلمها منذ بلوغي التاسعة من العمر وأمضيت وقت كبير في إتقان تلك الحرفة الأمر الذي جعلني مغرم بالطربوش ولكن لم اترك تعليمي الجامعي۰
• ما سر حبك لهذه الصناعة وتمسكك بها في ظل إنقراضها؟
يرجع هذا لحبي للحرف اليدوية وشغل الإبرة عموما فالطربوش بالنسبة لي ليست قطعة قماش بل تحفة فنية أهتم بكل جزء فيها ولا أكترث بتكرار فكه وتركيبه مرات عديدة لأن ما يشغلني هو خروجه بأبهى شكل له حتى يسعد به صاحبه وهو الذي كان يحمل علامة الأناقة قديما قبل الثورة.
• البعض يعرف الطربوش والبعض الأخر لا يميزه إلا من خلال أفلام الأبيض والأسود فهل للطربوش تاريخ وإلى أي شئ يرمز؟
أخذنا الطربوش عن الحكم التركي منذ أيام محمد على باشا لأنه كان الزى الرسمي للأتراك وتدرج الأمر حتى أصبح علامة مميزة للأفندية والمتعلمين وكانت خاماته تستورد من النمسا قبل الثورة ولكن بعد قيامها أصبح سياسة القضاء على الطربوش هي اللغة السائدة لأنه كان رمزاً للملكية وعندما زاد الملتحقين بالأزهر بدأ سوق الطربوش ينتعش مرة أخرى ولكن بعد فوات الأوان فقد أغلقت مصانعه وأنحاز عنه الصناع ولم يعد له وجود إلا فوق رؤوس المشايخ وطلاب الأزهر حالياً.
• ما هي أنواع الطرابيش وكيفية صناعتها؟
هناك نوعان من الطرابيش طربوش أفندي وهو ما كان معروفا قبل ثورة يوليو والأخر طربوش العمة وهو ما يرتديه المشايخ وطلاب الأزهر اﻵن ومكونات أي طربوش واحدة هي صوف وخوص وبطانة حرير والزر والجلدة ويختلف شكل الطربوش تبعاً لأسلوب صناعته فالقالب المستخدم به واحد ولكن باستخدام ما يعرف بالحديدة التامة أستطيع تشكيله إلى أشكال مختلفة وهى حرفة دقيقة حيث تحتاج ﺇلى تسخين معداته النحاسية عند درجة معينة وإلا تعرض الطربوش للحرق، كما يختلف الطربوش في أسعاره من حيث خامته المصنع منها سواء من الصوف أو ألياف صناعية ويتراوح سعره من ٥۰إلى ١٠٠جنيه والعمر الافتراضي للطربوش طويل جدا يمكن له أن يصل إلى ١٥ سنة.
• تعتبر أنت الصانع الوحيد للطرابيش في الوجه القبلي ولكن من يصنعه على مستوى محافظات الوجه البحري الآن؟
لا يوجد سوى ورشة واحدة لصناعة الطرابيش في وجه بحري ولذلك لا يوجد تسويق كافي لها خاصةً مع تزايد أعداد طلاب الأزهر وتقوم الأوقاف بشراء خامات الطربوش من باكستان والصين لتصنيعه بمصر بعد أن كان هناك مصانع خاصة لتصنيع خامات الطربوش وتعد تلك الخامات مكلفة ومع تناقص عدد الطرابيشيين أصبح سوق الطربوش مهدداً بالانقراض.
• كيف تسوق لمنتجاتك من الطرابيش؟
لمعرفة الناس الشديدة بي أستطيع تسويق منتجاتي ويمكنني العمل بالعمولة أيضا وعندما كنت أعمل مع عم كامل جرس كان لدى محل ولكن بعد وفاته أخذها الورثة والآن أبحث عن مكان للتصنيع ولكن هذا لا يكفى فأنا أسوق للصعيد كله لا أستطيع التسويق بمفردي ومنزلي هو مكان عملي ومجال تسويقي الوحيد الآن.
• ما خطورة انقراض صناعة الطربوش في مصر بوجه عام والصعيد بوجه خاص ؟
الطربوش حاليا هو رمزا للأزهر بالإضافة لكونه تراث مصري أصيل فالطربوش الآن في الألفية الثالثة يعنى الرجوع إلى عبق التاريخ واستنشاق نسيم الماضي الذي كان رمزاً للإحترام والوقار فلم يكن بمقدور أي موظف الدخول لمرؤوسه عاري الرأس فكان يعد هذا من المحرمات ومعنى انقراضه واختفائه يهدد المشايخ و طلاب الأزهر حاليا كما أن الطربوش تراث يجب الحفاظ عليه بالرغم من كونه اختراع تركي إلا أنه أرتبط كثيرا بالموظف المصري فكيف لا يبقى ليتعارف عليه الأجيال القادمة ٠
• من خلال احتكاكك بالناس من حولك هل للأجيال الجديدة خلفية بالطربوش ؟
من المؤسف أن الأجيال القادمة لا تعرف ما هو الطربوش و اﻷغرب أنهم يسألونني دوما عن معنى صنعتي (طرابيشى) بالرغم من اعتقادي بحب المصريين لغطاء الرأس عموما فالآن يرتدى الشباب الكاب كعنوان للشياكة نفس مفهوم الطربوش قديماً ولكن بشكل مختلف والعجيب أن البعض يحب التصوير الفوتوغرافي مرتدياً الطربوش ويتم هذا في معظم استديوهات التصوير٠
• أنت تعمل في مجال النقل بجانب عملك في صناعة الطربوش فهل هذا سيؤدى بك إلى ترك حرفة الطربوش يوما ما؟
بالرغم من كوني الوحيد في صناعة الطربوش في أسيوط إلا أنها لا تعود على بدخل وافر نظراً لمتانة الطربوش الذي يبقى مدة طويلة دون تلف لذا فالمبيعات قليلة ولكن لن يمنع ازدهاري في مجال النقل إلى ترك تلك الحرفة حتى ولو بقيت أنا وحدي أمارسها في العالم.
• يمكننا التماس مدى اهتمامك بقضية الحفاظ على الطربوش نريد منك توجيه رسالة للمعنيين بالتراث لحماية صناعة الطربوش بمصر بوجه عام ومحافظة أسيوط بوجه خاص؟
أناشد محافظ أسيوط والمسئولين عن عودة التراث أن يساعدونا في تدعيم تلك الصناعة وإيجاد منافذ لتسويقها فمنطقة مثل خان الخليلي بأسيوط أنسب مكان للتسويق بنظري لأنها تقتصر على بيع السلع القديمة وكذلك العمل على توفير معدات لتصنيع الطرابيش وذلك لندرة تلك المعدات خاصةً بعد حل مصانع الطرابيش على مستوى الجمهورية ولا أحد يعلم أين ذهبت تلك المعدات لذا ما المانع في إعادتها مره أخرى وإيجاد أفراد يرحبون بتعلم تلك الصناعة وربما يكون الطربوش هو المنتج الذي تنفرد به أسيوط عن باقي المحافظات بإعتباره تراثاً أسيوطياً.
• هل تسعى لتوريث حرفتك لنجلك الصغير ؟
بالطبع هذا هدفي لشدة حبي للحرفة ولكن مع الحرص على حصوله على تعليم جيد وأتمنى أن تبقى تلك الحرفة في عائلتي للأبد فالطربوش رمز وقيمة عالية لن يجرفها التاريخ.